سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


يقول الحق جل جلاله: {وإذْ زيّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم} السيئة، ومن جملتها: خروجهم إلى حربك؛ بأن وسوس لهم، {وقال لا غالبَ لكم اليومَ من الناس وإني جارٌ لكم} قيل: قال لهم ذلك مقالة نفسانية، بأن ألقي في رُوعهم، وخيَّل إليهم أنهم لا يُغلبون ولا يطاقون، لكثرة عَددهم وعُددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه في ذلك قربة مجيرة لهم من المكاره.
{فلما تراءت الفئتان} أي: تلاقي الفريقان، ورأى بعضهم بعضاً، {نَكصَ على عقبيه}؛ رجع القهقري، أي: بطل كيده، وعاد ما خيل لهم أنه مجير لهم سبب هلاكهم، {وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله}، أي: تبرأ منهم وخاف عليهم، وأيس من حولهم، لمّا رأى إمداد المسلمين بالملائكة.
وقيل: إن هذه المقالة كانت حقيقة لسانِيَّة. رُوي أن قريشاً لما اجتمعت على المسير إلى بدر، ذكرت ما بينهم وبين بني كنانة من العداوة، فهموا بالرجوع عن المسير، فمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني، وقال: لا غالب لكم اليوم وإني جارٌ لكم، وإني مجيركم من بني كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل نكص على عقبيه، وكانت يده في يد الحارث بن هشام، فقال له: إلى أين؟ أتخذلنا في هذه الحالة؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحارث، فانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة، قالوا: هزم النَّاسَ سُراقَةُ، فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بسيركم حتى بلغني هزيمتكم! فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وعلى هذا، يحتمل أن يكون معنى قوله: {إني أخافُ الله} أي: أخاف أن يصيبني مكروهاً من الملائكة، أو يهلكني، ويكون هذا الوقت هو الوقت الموعود، إذ رأى فيه ما لم ير قبله. والأول: ما قاله الحسن، واختاره ابن حجر. وقال الورتجبي: أي: إني أخاف عذاب الله، وذلك بعد رؤية البأس، ولا ينفع ذلك، ولو كان متحققاً في خوفه ما عصى الله طرفة عين. اهـ.
وذكر ابن حجر عن البيهقي، عن عليّ كرم الله وجهه، قال: هبت ريح شديدة، فلم أر مثلها، ثم هبت ريح شديدة، وأظنه ذكر ثالثة، فكانت الأولى جبريل، والثانية: ميكائيل، والثالثة: إسرافيل، وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أبو بكر، وإسرافيل عن يساره، وأنا فيها. وعن عليّ ايضاً: قيل ليَّ ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر لصف ويشهد القتال. انتهى.
وقوله تعالى: {والله شديدُ العقاب}، يجوز أن يكون من كلام إبليس، وأن يكون مستأنفاً.
الإشارة: عادة الشيطان مع العوام أن يُغريهم على الطعن والإنكار على أولياء الله، وإيذائهم لهم، فإذا رأى غيرة الله على أوليائه نكص على عقبيه، وقال: إني منكم بريء؛ إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب.


يقول الحق جل جلاله: واذكروا {إذْ يقول المنافقون} من أهل المدينة، أو نفر من قريش كانوا أسلموا وبقوا بمكة، فخرجوا يوم بدر مع الكفار، منهم: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو القبس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن ربيعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، {و} هم {الذين في قلوبهم مرض} أي: شك؛ لم تطمئن قلوبهم، بل بقي فيها شبهة، قالوا: {غرَّ هؤلاء دينُهُم} أي: اغتر المسلمون بدينهم، فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف. فأجابهم الحق تعالى بقوله: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيزٌ} أي: غالب لا يذل من استجار به، وإن قلَّ، {حكيمٌ} يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل، ويعجز عن دركه الفهم.
الإشارة: إذا عظم اليقين في قلوب أهل التقى أقدموا على أمور عظام، تستغرب العادة إدراكها، أو يغلب العطب فيها، فيقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غرَّ هؤلاء طريقتهم، ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز لا يُغلبْ، ولا يُغلبْ من انتسب إليه، وتوكل في أموره عليه، حكيم فلا يَخرج عن حكمته وقدرته شيء، أو عزيز لا يُذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ به، والتجأ إلى ذماره، حكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره، قاله في الإحياء. ثم قال: وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد هو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار، والتوكل على الواحد القهار. اهـ. وبالله التوفيق.


قلت: جواب {لو} محذوف أي: لرأيت أمراً عظيماً، و{الملائكة}: فاعل {يتوفى} فلا يوقف على ما قبله، ويرجحه قراءة ابن عامر بالتاء، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير (الله)، و{الملائكة} مبتدأ، و{يضربون}: خبر، والجملة: حال من {الذين كفروا}، والرابط: ضمير الواو، وعلى هذا فيوقف على ما قبله، وعلى الأول {يضربون}: حال من الملائكة، {وذُوقوا}: عطف على {يضربون} على حذف القول، أي: ويقولون ذوقوا. و{ذلك}: مبتدأ، {بما قدمت}: خبر، و{أن الله}: عطف على ما؛ للدلالة على أن مقيدة بانضمامه إليه. انظر البيضاوي.
يقول الحق جل جلاله: {ولو ترى} يا محمد، أو يا من تصح منكم الرؤية، حال {الذين كفروا} حين تتوفاهم {الملائكةُ} ببدر، أو مطلقاً، وهم {يضربون وجوهَهُم وأدبارَهم}، أو حين يتوفاهم الله ويقبض أرواحهم، حال كونهم الملائكة يضربون وجوههم وظهورهم، أو أستاهَهُم، لرأيت أمراً فظيعاً. {و} يقولون لهم: {ذُوقوا} أي: باشروا {عذابَ الحريق} يوم القيامة؛ بشارة لهم بما يلقون من العذاب في الآخرة. وقيل: تكون معهم مقامع من حديد، كلما ضربوا التهبت النار منها، {ذلك} العذاب إنما وقع بكم {بما}؛ بسبب {قدمت أيديكم} أي: بما كسبتم من الكفر والمعاصي، {وأَنَّ الله ليس بظلام للعبيد}؛ حتى يعذب بلا سبب، أو يهمل العباد بلا جزاء.
الإشارة: قد ذكر الحق جل جلاله حال الكاملين في العصيان في هذه الآية، وذكر في سورة النحل الكاملين في الطاعة بقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفّاَهُمُ المَلائَكَةُ طَيِّبِين} [النحل: 32] الآية، وسكت عن المخلطين، ولعلهم يرون طرفاً من هذا أو طرفاً من هذا، والله تعالى أعلم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13